تزامنا مع استعداد المغرب لاحتضان تظاهرات رياضية كبرى وعلى رأسها مونديال 2030، شرعت مجموعة برلمانية في فحص “أعطاب” الرياضة الوطنية من خلال تشخيص “المطبّات”، التي اعترضتها منذ وضع أول استراتيجية وطنية سنة 2010 على عهد الوزيرة السابقة نوال المتوكل.
وتسعى اللجنة البرلمانية إلى “النبش” في عوائق تقدم الرياضة الوطنية من خلال استحضار خلاصات وتوصيات المناظرة الوطنية الثانية حول الرياضة بالصخيرات (أكتوبر 2008) وهي المناظرة التي حددت الخطوط العريضة لسياسة رياضية وطنية طموحة قادرة على بلوغ الأهداف المرجوة.
عبد الرحيم شهيد رئيس اللجنة الموضوعاتية المكلفة بتقييم “الاستراتيجية الوطنية للرياضة 2008-2020″، أوضح أنه تم الشروع في الاستماع إلى مجموعة من الخبراء في المجال الرياضي، في أفق إعداد تقرير في الموضوع، بعد إجراء قراءة جماعية للاستراتيجية التي جاءت إثر “مناظرة الصخيرات” انطلاقا من توصيات الرسالة الملكية التي رسمت خارطة طريق النهوض بالرياضة، ووجهت نقدا وتشخيصا لواقع الرياضة بالمغرب، وهو ما ترتب عنه عدد من التوصيات التي وصلت إلى 117 توصية.
🔹الرياضة “ليست بخير”
ولفت شهيد ضمن تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن عمل المجموعة الموضوعاتية، يأتي في سياق استعداد المغرب لاحتضان تظاهرات دولية كبرى من حجم مونديال 2030 وكأس افريقيا سنة 2025 وهي محطات عالمية، تتطلب التوفر على إطار مرجعي في مجال السياسة الرياضية، مشيرا إلى أن المهمة البرلمانية، تسعى إلى إضافة وثيقة جديدة من خلالها، يظهر الدور الأساسي الذي يقوم به البرلمان، في مجال الرقابة والتقييم لتجويد الممارسة الرياضية ببلادنا.
وتابع شهيد: “اليوم حققنا على الصعيد الدولي نتائج باهرة في قطاع كرة القدم من خلال منجزات الكرة المغربية، في مونديال قطر وهناك ارتسام عام لدى المواطنين والمواطنات والنواب أيضا بأن هناك قطاعات رياضية متعددة “ليست بخير”.
ونبه البرلماني إلى أن “هناك رياضات متعددة كانت تعطي إشعاعا دوليا للمغرب على مستوى ألعاب القوى والملاكمة والدرجات، لكن اليوم بتنا نعود خاليي الوفاض من عدد من المنتديات الدولية، بحيث أنه في كل محفل دولي نعود بخفي حنين ويصبح التساؤل عند المواطنين لماذا وصلنا إلى هذا الوضع؟”.
منصف اليازغي الباحث في المجال الرياضي، قال إنه “يتأسف على هذه البلاد التي تقول بأنها أمة رياضية، في حين أنه إلى غاية اليوم الرقم الحقيقي لعدد الممارسين الرياضيين غير معروف، بينما تتحدث الاحصائيات عن 340 ألف ممارس في المغرب، مضيفا أن “الخجل يصيبنا حينما نسمع بأن البعض يصفنا بالأمة والدولة الرياضية”.
وأوضح اليازغي في عرض قدمه أمام أعضاء المجموعة البرلمانية، الموضوعاتية، أنه على مستوى الأرقام فـ “الأمر مخجل”، لأنه على سبيل المثال في ألمانيا هناك 7 ملايين ممارس مرخص له، بينما يصل رقم الممارسين بفرنسا إلى 16 مليونا مرخص لهم، مردفا “نحن شغفون بكرة القدم لكن على مستوى الممارسة هناك نقص مهول، وبالتالي يصبح التساؤل، كيف يمكن الحديث عن وجود رغبة في تطوير الرياضة لكن هناك ضعف كبير في عدد الممارسين”.
🔹الملك يدق ناقوس الخطر
وعاد اليازغي للحديث، عن أول مناظرة أجريت في المغرب حول الرياضة، والتي كانت سنة 1965، والتي قال إنها “جاءت نتاجا لاستنفاذ المغرب لرصيده من النجوم والذين تركتهم الحماية الفرنسية، وتميزت بكلمة مرتجلة للملك الراحل الحسن الثاني وتضمنت إشارات بضرورة تجميع المجهود الوطني حول الرياضات الوطنية”.
وسجل أنه تم إقبار خلاصات هذه المناظرة بعد إعلان حالة الاستثناء في نفس السنة. ومناظرة سنة 1980 التي جاءت نتاج أزمة بعد خسارة المغرب بخمسة أهداف لواحد أمام المنتخب الجزائري بالدار البيضاء، مشيرا إلى مناقشة المجلس الوزاري الذي انعقد ساعتها برئاسة الملك الحسن الثاني لهذا الملف، حيث أعلن حينها الملك أن كرة القدم أصبحت ملفا ملكيا وهو ما ساهم تحقيق الطفرة التي سجلتها الرياضية المغربية في الثمانينات.
ولفت الباحث في الشأن الرياضي، إلى أن مناظرة 2008 جاءت بدورها نتاج أزمة، إثر خروج المغرب من الدور الأول لكأس إفريقيا بغانا وحصاد الأولمبية بالعاصمة الصينية، والذي لم يتجاوز فضتين وكانت رغبة بالخروج باستراتيجية للرياضة من خلال عقد مناظرة كوسيلة بعد 5 سنوات في ظل كتابة عامة للشبيبة والرياضة، مؤكدا أنه لأول مرة يلجأ الملك إلى أسلوب التوبيخ والتأنيب في التشخيص الذي تضمنته رسالته إلى المناظرة الوطنية سنة 2008 بعدما بلغ السيل الزبى.
وتابع اليازغي: “في 2008 الوزيرة نوال المتوكل وضعت استراتيجية تمتد لسنة 2020 بعدها بسنتين جاء منصف بلخياط ووضع استراتيجية تتضمن تحقيق أهدف لحدود 2016″، مشيرا إلى أن المتتبع لمسار مدبري الرياضة بالمغرب، سيجد أنه ما بين 2007 و2020 تناوب على قطاع الرياضة 9 وزراء بمعدل سنة وثلاثة أشهر لكل وزير.
وسجل الباحث في الشأن الرياضي، أن كل وزير للشباب والرياضة يأتي، يريد أن يضع بصمته ويسعى إلى اعتماد استراتيجية خاصة به مما يحد من الاستمرارية في الأهداف والإجراءات، معتبرا في مقابل ذلك أن هذه التغييرات المتواترة التي وقعت أفضت إلى “تلكؤ” في تنزيل الأهداف المسطرة لتجاوز اختلالات الرياضة بالمغرب.
🔹بطء الانتاج التشريعي
وتوقف اليازغي عند النشاط القانوني في المجال الرياضي، من خلال أول نص تشريعي 06.87 الذي اعتبر أول قانون للتربية البدنية، وسجل أنه لم يطرأ عليه أي تعديل حتى سنة 2010 علما أن قانون فرنسا 84.84 الذي تم الاعتماد عليه في صياغة هذا المشروع تم تعديله 33 مرة، متسائلا: “هل مكتوب علينا أن نعيش في إطار قوانين صلبة وألا نتوفر على قوانين مرنة، في المجال الرياضي الذي يعرف احتجاجات باستمرار”.
وأوضح الباحث في الشأن الرياضي، أن الرسالة الملكية لسنة 2008، والتي وجهت إشارات أساسية لتنبيه الفاعلين السياسيين، حفزت النشاط التشريعي مما سرع من وتيرة إخراج عدد من النصوص القانونية التي تأخر إصدارها، لافتا إلى أن الملك تحدث آنذاك عن ضرورة ملاءمة القوانين وزجر المنشطات وتطويق العنف في المجال الرياضي، “بينما ظل الفاعل السياسي نائما حتى طرقت الرسالة الملكية بابه، حيث انطلق إثر ذلك في إعداد قانون محاربة العنف ولم ير القانون النور إلا سنة 2011 وملاءمة القوانين خرج القانون في سنة 2010 في ظرف سنة ونصف”.
وفي سياق متصل، أشار اليازغي إلى أن الوزيرة السابقة نوال المتوكل عقدت لقاء في بوزنيقة وسعت إلى إشراك البرلمانيين ولم يحضر هذا اللقاء إلا 11 برلمانيا من أصل 40 برلمانيا تم توجيه الدعوة إليهم، لافتا إلى أن مناقشة قانون التربية البدنية في عهد منصف بلخياط بلجنة القطاعات الاجتماعية، لم يحضره سوى 12 نائبا من 51 برلمانيا، وهو ما يسائل دور البرلمان وباقي الفاعلين السياسيين فيما وصلت إليه الرياضة الوطنية.
ونبه الباحث في الشأن الرياضي، إلى أن قانون العنف خرج إلى حيز الوجود في يونيو 2011، تضمن إشارة صغيرة في آخر فصل له تؤكد “على الإدارة (الشبيبة والرياضة) أن تصدر قرارا يهم اللجن المحلية”، ورغم ما عشناه من مآسي الشغب الرياضي (الخميس الأسود) وغيره من الأحداث التي تسيء إلى سمعة الرياضة الوطنية لم يتحرك أي مسؤول من أجل ذلك، ولم يخرج المرسوم المتعلق بهذه اللجن حتى سنة 2024، ما يطرح اشكالية ضعف تفاعل الجهاز الوصي ومؤسسة البرلمان.
🔹نتائج مُبهمة
وأشار اليازغي على هامش اجتماع المجموعة البرلمانية الموضوعاتية، إلى أنه مباشرة بعد المناظرة الوطنية للرياضة في أكتوبر 2008، انطلقت وزارة الشباب والرياضة في إعداد استراتيجية وطنية للرياضة، بناء على المحاور التي جاءت في الرسالة الملكية، والتي جاءت نتاجا للمناظرات الجهوية الست وأيضا المناظرة الوطنية التي جرت في الصخيرات.
وأوضح اليازغي في تصريح لـ”العمق” أن هذه الاستراتيجية التي نستدعيها اليوم تتطلب تحليلا يتفادى النبش في الانتقادات أو في محاولة التنقيص من هذه الاستراتيجية، مشددا ضرورة الوقوف على الاكراهات التي واجهت الاستراتيجية التي لم تنطلق إلا سنة 2010 أولها هو التعديلات الوزارية التي شهدتها وزارة الشباب والرياضية إذ أنه في ظرف 10 سنوات تابعنا وجود 8 وزراء للشبيبة والرياضة وبالتالي كانت هناك دائما فرملة لتنزيل هذه الاستراتيجية.
ويرى الباحث في الشأن الرياضي، أن البرلمان والحكومة مطالبان بتقييم هذه الاستراتيجية، قائلا: “صحيح أنها انتهت في سنة 2020، لكن إلى غاية الآن لم نعرف نتائج التقييم والاختلالات التي وقعت ولم نعرف ماذا أنجز لأنه في آخر المطاف لا يمكن أن تكون الدولة وقفت مكتوفة الأيدي، فهناك عدة أشياء تحققت بينما تعطلت أخرى لعدة سنوات ويجب أن نعرفها كباحثين أو فاعلين سياسيين ومتدخلين في المجال يبقى أنه بعد سنة 2020”.
وخلص اليازغي إلى أنه إلى “غاية الآن ليست هناك سياسة معلنة لتجاوز أعطاب الرياضة الوطنية، وهو ما يتطلب الانكباب عليها، لأن الاستحقاقات التي يعرفها المغرب والإبهار الذي خلقه المغرب على المستوى الدولي يفرض أن تكون لدينا استراتيجية تتفادى الأخطاء التي عرفتها الاستراتيجية السابقة وتشتغل على المكتسبات التي حققنا في السنوات الأخيرة”.